إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ
قال الضحّاك: إن اللّه تعالى لا يقسم بشيء من خلقه، ولكنه استفتاح يستفتح به كلامه، وهذا القول ضعيف، والذي عليه الجمهور أنه قسم من اللّه تعالى يقسم بما شاء من خلقه وهو دليل على عظمته، ثم قال بعض المفسرين: لا ههنا زائدة، وتقديره: أقسم بمواقع النجوم، ويكون جوابه: {إنه لقرآن كريم}، وقال آخرون: ليست لا زائدة بل يؤتى بها في أول القسم إذا كان مقسماً به على منفي، تقدير الكلام: لا أقسم بمواقع النجوم، ليس الأمر كما زعمتم في القرآن أنه سحر أو كهانة بل هو قرآن كريم، وقال بعضهم: معنى قوله {فلا أقسم}: فليس الأمر كما تقولون، ثم استأنف القسم بعد ذلك فقيل اقسم ""ذكره ابن جرير عن بعض أهل العربية""، واختلفوا في معنى قوله: {بمواقع النجوم} فقال ابن عباس: يعني نجوم القرآن، فإنه نزل جملة ليلة القدر من السماء العليا إلى السماء الدنيا، ثم نزل مفرقاً في السنين بعد، ثم قرأ ابن عباس هذه الآية، وقال مجاهد: {مواقع النجوم} في السماء ويقال مطالعها ومشارقها، وهو اختيار ابن جرير، وعن قتادة: مواقعها: منازلها، وعن الحسن: أن المراد بذلك انتثارها يوم القيامة، وقوله {وإنه لقسم لو تعلمون عظيم} أي وإن هذا القسم الذي أقسمت به لقسم عظيم، لو تعلمون عظمته لعظمتم المقسم به، {إنه لقرآن كريم} أي إن هذا القرآن الذي نزل على محمد لكتاب عظيم {في كتاب مكنون} أي معظم في كتاب محفوظ موقر، عن ابن عباس قال: الكتاب الذي في السماء، {لا يمسه إلا المطهرون} يعني الملائكة، وقال ابن جرير، عن قتادة {لا يمسه إلا المطهرون} قال: لا يمسه عند اللّه إلا المطهرون، فأما في الدنيا فإنه يمسه المجوسي النجس، والمنافق الرجس.
وقال أبو العالية: {لا يمسه إلا المطهرون} ليس أنتم أصحاب الذنوب، وقال ابن زيد: زعمت كفّار قريش أن هذا القرآن تنزلت به الشياطين، فأخبر اللّه تعالى أنه لا يمسه إلا المطهرون، كما قال تعالى: {وما تنزلت به الشياطين وما ينبغي لهم وما يستطيعون إنهم عن السمع لمعزولون}، وهذا القول قول جيد، وهو لا يخرج عن الأقوال التي قبله، وقال الفراء: لا يجد طعمه ونفعه إلا من آمن به، وقال آخرون: ههنا المصحف، كما روى مسلم عن ابن عمر: (أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدو) ""أخرجه مسلم في صحيحه""، واحتجوا بما رواه الإمام مالك أن في الكتاب الذي كتبه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لعمرو بن حزم أن (لا يمس القرآن إلا طاهر) وروى أبو داود في المراسيل من حديث الزهري قال: قرأت في صحيفة عبد اللّه بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (ولا يمس القرآن إلا طاهر) وهذه وجادة جيدة قد قرأها الزهري وغيره، ومثل هذا ينبغي الأخذ به. وقوله تعالى: {تنزيل من رب العالمين} أي هذا القرآن منزل من اللّه رب العالمين، وليس هو كما يقولون إنه سحر أو كهانة أو شعر، بل هو الحق الذي لا مرية فيه، وليس وراءه حق نافع، وقوله تعالى: {أفبهذا الحديث أنتم مدهنون} قال ابن عباس: أي مكذبون غير مصدقين، وقال مجاهد: {مدهنون} أي تريدون أن تمالئوهم فيه وتركنوا إليهم {وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون} قال بعضهم: معنى {وتجعلون رزقكم} بمعنى شكركم أنكم تكذبون بدل الشكر، عن علي رضي اللّه عنه قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (وتجعلون) رزقكم يقول: شكركم أنكم تكذبون، تقولون: مطرنا بنوء كذا وكذا، بنجم كذا وكذا) ""أخرجه أحمد وابن أبي حاتم، ورواه الترمذي وقال: حسن غريب""، وقال مجاهد: {وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون} قال: قولهم في الأنواء: مطرنا بنوء كذا وبنوء كذا يقول: قولوا هو من عند اللّه وهو رزقه وهكذا قال الضحّاك وغير واحد ، وقال قتادة: أما الحسن فكان يقول: بئس ما أخذ قوم لأنفسهم، لم يرزقوا من كتاب اللّه إلا التكذيب، فمعنى قول الحسن هذا وتجعلون حظكم من كتاب اللّه أنكم تكذبون به، ولهذا قال قبله: {أفبهذا الحديث أنتم مدهنون وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون}.